همم وقمم
كتب الامام البنا موضوع انشاء فى سنة تخرجه 1927وكان الموضوع بعنوان:
" اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك ، وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها "
. وقد كتب رحمه الله هذا الموضوع : " أعتقد أن خير النفوس تلك النفوس الطبية التي ترعي سعادتها في إسعاد الناس وإرشادهم ، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم ، وذود المكروه عنهم ، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحة وغنيمة ، و الجهاد في الحق والهداية – علي توعر طريقهما ، وما فيه من مصاعب ومتاعب – راحة ولذة ، وتنفذ إلي أعماق القلوب فتشعر بأدوائها ، وتتغلغل في مظاهر المجتمع ، فتتعرف ما يعكر علي الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم ، وما يزيد في هذا الصفاء ، ويضاعف تلك المسرة ، لا يحدوها إلي ذلك إلا شعور بالرحمة لبني الإنسان ، وعطف عليهم ، ورغبة شريفة في خيرهم ، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المنقبضة ، لا تحسب ساعة أسعد من تلك التي تنفذ فيها مخلوقا من هوة الشقاء الأبدي أو المادي ، وترشده إلي طريق الاستقامة والسعادة"
" وأعتقد أن العمل الذي لا يعدو نفعة صاحبه ، ولا تتجاوزا فائدته عامله ، ولا تتجاوزا فائدته عامله ، قاصر ضئيل ، وخير الأعمال وأجلها ذلك الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره ، من أسرته وأمته وبني جنسه ، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره ، وعلي هذه العقيدة سلكت سبيل المعلمين ، لأني أراهم ساطعا يستنير به الجمع الكثير ويجري في هذا الجم الغفير ، وإن كان كنوز الشمعة التي تضئ للناس باحتراقها " .
" وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرمي الإنسان إليها ، وأعظم ربح يربحه أن يجوز رضا الله عنه ، فيدخله حظيرة قدسه ، ويخلع عليه جابيب أنسه ، ويزحزحه عن جحيم عذابه ، وعذاب غضبه ، والذي يقصد إلي هذه الغاية يعترضه مفرق طريقين لكل خواصه ومميزاته ، يسلك أيهما شاء :
أولهما : طريق التصوف الصادق ، الذي يتلخص في الإخلاص والعمل ، وصرف القلب عن الاشتغال بالخلق خيرهم وشرهم . وهو أقرب وأسلم .
والثاني : طريق التعليم والإرشاد ، الذي يجامع الأول في الإخلاص والعمل ، ويفارقه في الاختلاط بالناس ، ودرس أحوالهم ، وغشيان مجامعهم ، ووصف العلاج الناجع لعللهم ، وهذا أشرف عند الله وأعظم ، ندب إليه القرآن العظيم ، ونادي بفضله الرسول الكريم ، وقد رجح الثاني – بعد أن نهجت الأول – لتعدد نفعه ، وعظيم فضله ، ولأنه أوجب الطريقين علي المتعلم وأجملهما بمن فقه شيئا ( لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .
" وأعتقد أن قومي – بحكم الأدوار السياسية التي اجتازوها ، والمؤثرات الاجتماعية التي مرت بهم ، وبتأثير المدينة الغربية ، والشبه الأوروبية ، والفلسفة المادية ، والتقليد الفرنجي – بعدوا عن مقاصد دينهم ، ومرامي كتابهم ، ونسوا مجد آبائهم ، وآثار أسلافهم ، والتبس عليهم هذا الدين الصحيح بما نسب إليه ظلما وجهلا ، وسترت عنهم حقيقته الناصعة البيضاء ، وتعاليمه الحقيقية السمحة ، بحجب من الأوهام يحسر دونها البصر ، وتقف أمامها الفكر ، فوق العوام في ظلمة الجهالة ، وتاه الشبان والمتعلمون في بيداء حيرة وشك ، أورثا العقيدة فسادا ، وبدلا الإيمان إلحادا .. ! "
" وأعتقد كذلك أن النفس الإنسانية محبة بطبعها ، وأنه لابد من جهة تصرف إليها عاطفة حبها ، فلم أر أحدا أولي بعاطفة حبي من صديق امتزجت روحه بروحي ، فأوليته محبتي ، وآثرته بصداقتي " .
" كل ذلك اعتقده تأصلت في نفسي جذوتها ، وطالت فروعها ، واخضرت أوراقها ، وما بقي إلا أن تثمر ، فكان أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان :
( خاص ) – وهو إسعاد أسرتي وقرابتي ، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ، ما استطعت إلي ذلك سبيلا ، وإلي أكبر حد تسمح به حالتي وبقدرتي الله عليه .
( وعام ) – وهو أن أكون مرشداً معلما ، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار ، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم ، ومسرات حياتهم ، تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخري بالتأليف والكتابة ، وثالثة بالتجول والسياحة .
وقد أعددت لتحقيق الأول معرفة بالجميل ، وتقديرا للإحسان و " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ " ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية : " الثبات والتضحية " وهما ألزم للمصلح من ظله وسر نجاحه كله ، وما تخلق بهما مصلح فأخفق إخفاقا يزري به أو يشينه ، ومن الوسائل العملية : درسا طويلا ، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية ، وتعرفا بالذين يعتنقون هذا المبدأ ، ويعطفون علي أهله ، وجسما تعود الخشونة علي ضآلته وألف المشقة علي نحافته ، ونفسا بعتها لله صفقة رابحة ، وتجارة بمشيئته منجية ، راجيا منه قبولها ، سائلة إتمامها ، ولكليهما عرفانا بالواجب وعونا من الله سبحانه ، اقرؤه في قوله " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " .
" ذلك عهد بيني وبين ربي ، أسجله علي نفسي ، وأشهد عليه أستاذي ، في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير وليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير " ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجر عظيما " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق