د.ياسر عبد الوهاب .. المشاركة الشعبية في الانتخابات، وإقبال الناس على التصويت سيجهض أي محاولة للتزوير؛ لأن التزوير لا يتم إلا عندما يغيب الناس تاركين المزور يصول ويجول دون رادع ..

الاثنين، 17 يناير 2011

همم وقمم


همم وقمم

كتب الامام البنا موضوع انشاء فى سنة تخرجه 1927وكان الموضوع بعنوان:

 " اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك ، وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها "

. وقد كتب رحمه الله هذا الموضوع : " أعتقد أن خير النفوس تلك النفوس الطبية التي ترعي سعادتها في إسعاد الناس وإرشادهم ، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم ، وذود المكروه عنهم ، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحة وغنيمة ، و الجهاد في الحق والهداية – علي توعر طريقهما ، وما فيه من مصاعب ومتاعب – راحة ولذة ، وتنفذ إلي أعماق القلوب فتشعر بأدوائها ، وتتغلغل في مظاهر المجتمع ، فتتعرف ما يعكر علي الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم ، وما يزيد في هذا الصفاء ، ويضاعف تلك المسرة ، لا يحدوها إلي ذلك إلا شعور بالرحمة لبني الإنسان ، وعطف عليهم ، ورغبة شريفة في خيرهم ، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المنقبضة ، لا تحسب ساعة أسعد من تلك التي تنفذ فيها مخلوقا من هوة الشقاء الأبدي أو المادي ، وترشده إلي طريق الاستقامة والسعادة"
" وأعتقد أن العمل الذي لا يعدو نفعة صاحبه ، ولا تتجاوزا فائدته عامله ، ولا تتجاوزا فائدته عامله ، قاصر ضئيل ، وخير الأعمال وأجلها ذلك الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره ، من أسرته وأمته وبني جنسه ، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره ، وعلي هذه العقيدة سلكت سبيل المعلمين ، لأني أراهم ساطعا يستنير به الجمع الكثير ويجري في هذا الجم الغفير ، وإن كان كنوز الشمعة التي تضئ للناس باحتراقها " .
" وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرمي الإنسان إليها ، وأعظم ربح يربحه أن يجوز رضا الله عنه ، فيدخله حظيرة قدسه ، ويخلع عليه جابيب أنسه ، ويزحزحه عن جحيم عذابه ، وعذاب غضبه ، والذي يقصد إلي هذه الغاية يعترضه مفرق طريقين لكل خواصه ومميزاته ، يسلك أيهما شاء :
أولهما : طريق التصوف الصادق ، الذي يتلخص في الإخلاص والعمل ، وصرف القلب عن الاشتغال بالخلق خيرهم وشرهم . وهو أقرب وأسلم .
والثاني : طريق التعليم والإرشاد ، الذي يجامع الأول في الإخلاص والعمل ، ويفارقه في الاختلاط بالناس ، ودرس أحوالهم ، وغشيان مجامعهم ، ووصف العلاج الناجع لعللهم ، وهذا أشرف عند الله وأعظم ، ندب إليه القرآن العظيم ، ونادي بفضله الرسول الكريم ، وقد رجح الثاني – بعد أن نهجت الأول – لتعدد نفعه ، وعظيم فضله ، ولأنه أوجب الطريقين علي المتعلم وأجملهما بمن فقه شيئا ( لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .
" وأعتقد أن قومي – بحكم الأدوار السياسية التي اجتازوها ، والمؤثرات الاجتماعية التي مرت بهم ، وبتأثير المدينة الغربية ، والشبه الأوروبية ، والفلسفة المادية ، والتقليد الفرنجي – بعدوا عن مقاصد دينهم ، ومرامي كتابهم ، ونسوا مجد آبائهم ، وآثار أسلافهم ، والتبس عليهم هذا الدين الصحيح بما نسب إليه ظلما وجهلا ، وسترت عنهم حقيقته الناصعة البيضاء ، وتعاليمه الحقيقية السمحة ، بحجب من الأوهام يحسر دونها البصر ، وتقف أمامها الفكر ، فوق العوام في ظلمة الجهالة ، وتاه الشبان والمتعلمون في بيداء حيرة وشك ، أورثا العقيدة فسادا ، وبدلا الإيمان إلحادا .. ! "
" وأعتقد كذلك أن النفس الإنسانية محبة بطبعها ، وأنه لابد من جهة تصرف إليها عاطفة حبها ، فلم أر أحدا أولي بعاطفة حبي من صديق امتزجت روحه بروحي ، فأوليته محبتي ، وآثرته بصداقتي " .
" كل ذلك اعتقده تأصلت في نفسي جذوتها ، وطالت فروعها ، واخضرت أوراقها ، وما بقي إلا أن تثمر ، فكان أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان :
( خاص ) – وهو إسعاد أسرتي وقرابتي ، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ، ما استطعت إلي ذلك سبيلا ، وإلي أكبر حد تسمح به حالتي وبقدرتي الله عليه .
( وعام ) – وهو أن أكون مرشداً معلما ، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار ، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم ، ومسرات حياتهم ، تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخري بالتأليف والكتابة ، وثالثة بالتجول والسياحة .
وقد أعددت لتحقيق الأول معرفة بالجميل ، وتقديرا للإحسان و " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ " ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية : " الثبات والتضحية " وهما ألزم للمصلح من ظله وسر نجاحه كله ، وما تخلق بهما مصلح فأخفق إخفاقا يزري به أو يشينه ، ومن الوسائل العملية : درسا طويلا ، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية ، وتعرفا بالذين يعتنقون هذا المبدأ ، ويعطفون علي أهله ، وجسما تعود الخشونة علي ضآلته وألف المشقة علي نحافته ، ونفسا بعتها لله صفقة رابحة ، وتجارة بمشيئته منجية ، راجيا منه قبولها ، سائلة إتمامها ، ولكليهما عرفانا بالواجب وعونا من الله سبحانه ، اقرؤه في قوله " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " .
" ذلك عهد بيني وبين ربي ، أسجله علي نفسي ، وأشهد عليه أستاذي ، في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير وليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير " ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجر عظيما " .

ليست هناك تعليقات: